قد يكون العنوان ساخرا أو يرمز الى كوميديا هزلية ، ولكن هو نوع من الرمزية لتعقيده وايضا لجذب اهتمام القراء الكرام إليه. وخلال فترة السنوات الخمسة الماضية على الأقل كانت هناك عدة حالات تطرقت إليها وسائل الإعلام المحلية بخصوص مرضى تعرضوا الى اخطاء طبية في ” التخدير” كلفتهم حياتهم أو تسببت بعاهات مستديمة مثل الشلل أو غيرها لا سمح الله ، ومن ضحاياها زميل دراسة رحمه الله.
فأنا هنا لطرح الموضوع من منظور علمي وموضوعي وليس للحكم على احد او ايجاد حلول او “التطبيل”. ومما شد انتباهي هو التخوف الشديد من التخدير ووصفهم احيانا “بملاك الموت” بسبب الهجوم الشديد عليهم من الإعلام. وقد لمست ذلك في عملي اليومي وتعاملي مع المرضى وذويهم وايضا من مواقع التواصل الإجتماعي.
كبداية احب ان اوضح ان تخصص التخدير يعتبر من الأصعب حرفّيا من ناحية بيئة العمل ويقارن بالمفاعلات النووية ويعتبر اصعب من الملاحة الجوية. ولذلك الكثير معرضين للإكتئاب وهو من الأعلى في حالات الانتحارمن ضمن التخصصات الطبية.
وقوع الأخطاء الطبية في التخدير كأي تخصص أو عمل آخر يعتمد على “خطوط دفاع” عدة وهي بالترتيب
١ـ نظام العمل كجهاز تنظيمي
٢ـ تطبيق آلية النظام كفشل في الاجهزة او التواصل او المقاطعة خلال العمل
٣ـ العامل البشري من اجهاد او قلة خبرة
ويسمي الهيكل هذا بنموذج ” الجبنة السويسرية” حيث انه يوجد فتحات في كل طبقة من النموذج واذا كثرت وكانت متوازية حدثت الاخطاء الطبية. والصور اسفل توضح الفكرة من النموذج.
واذا لجئنا الى الاحصائيات في امريكا نجد ان نسبة الموت لا سمح الله بسبب التخدير عموما بغض النظر عن العملية ونوعها وعمر المريض وحالته قد تصل الى واحد في ال ٢٠٠٠٠٠ الى نصف مليون. ونسبة وقوع الخطأ الطبي في التخدير اقل من الواحد في الالف. والوعي تحت التخدير العام يصل الى ٢١٠٠٠ الى ٤٢٠٠٠ امريكي سنويا.
ومن الأخطاء الشائعة عدم القدرة على تنبيب القصبة الهوائية او عدم اعطاء الاوكسجين الكافي او ترك المريض وعدم ملاحظته او اعطاء الكثير او القليل من الجرعات او تفاعل الادوية او الحساسية او التأخر في عمل التخدير للعملية او مشاكل في الاجهزة او رقابة المؤشرات الحيوية الخ.
ولذلك نجد ان الجهات الرسمية في العالم بما فيها السعودية بدأت تطبق وتفرض معايير سلامة المرضى وسلامة الأدوية للتقليل من حدوث مثل هذه الأخطاء وتحسين وتوفير ظروف العمل المناسبة.
واخيرا أود أن اوضح انها منظومة وآلية متكاملة معقدة وليست “من” بل “كيف” ولا “انت” بل “لماذا”. فلا تتعجل في اصادر الأحكام.
ملاحظة :
بدل من المهلبية الذي كنت اريد ان اضعها في عنوان المدونة “التخدير بين الاخطاء الطبية وصحن المهلبية” إليكم هذاالطبق من فوندو الجبنة السويسرية الذائبة مع قطع الخبز الشهية !