سرطان الثدي والتخدير ( تجربة شخصية )

وما زلنا في شهر أكتوبر شهر التوعية بمرض سرطان الثدي، وقد ذكرت علاقة المرض والألم المزمن في موضوع سابق بحكم تخصصي، وهنا أيضاً أتعرض في هذه المرة لتخصصي الأساسي “التخدير” وعلاقته بسرطان الثدي، وسأذكر لكم العلاقة من واقع قصة حصلت لي شخصيا في هذا الموضوع.
بدأت القصة في سنوات دراستي الأخيرة بعد حصولي على الزمالة الكندية واثناء فترة دراسة التخصصات الدقيقة في كندا بمدينة أوتاوا عام ٢٠٠٦ م، حيث ناقش قسم التخدير في اجتماع دوري ورقة بحث صدرت من أيرلندا ونشرت في مجلة تخدير أمريكية مرموقة تحت عنوان “هل ممكن ان اسلوب التخدير في عمليات استئصال سرطان الثدي الاولية تؤثر على عودته او انتشاره ” وتتكلم عن احتمال وجود علاقة بين أسلوب التخدير في عمليات استئصال الثدي وانتشاره او عودته للمريضة فيما بعد في المرضى الذين تمت دراستهم !
وكان البحث يتحدث عن ان استخدام نوع من إبر الظهر لتخدير جذور الأعصاب “Paravertebral Blocks” مع التخدير العام يقلل من انتشار او عودة المرض عند هؤلاء المرضى لمدة طويلة تصل الى ٣٦ شهرا مقابل الذين استخدم معهم التخدير العام فقط وبالتالي التقليل من حالات الوفاة من المرض !
وكانت هناك ابحاث مخبرية على فئران سبقت هذا البحث تثبت نفس النتيجة، وهناك عدة اسباب قد تفسر هذه الظاهرة الايجابية العجيبة، وهي ان استخدام التخدير للاعصاب مع التخدير العام يقلل من جرعة التخدير العام ويقلل من جرعة المسكنات المخدرة المستخدمة مثل المورفين والبيثيدين بعد الجراحة لعلاج الم العملية ويثبط افراز بعد المواد الكيميائية المحفزة لانتشار المرض اثناء العملية، وكل هذه العوامل المذكورة ( التخدير العام والمسكنات والمواد الكيميائية المحفزة التي يفرزها الجسم عند الخطر ) تؤدي الى نقص مناعة جسم المريضة مؤقتا مما قد يؤدي الى انتشار خلايا سرطانية على مستوى مجهري قد يؤثر مستقبلا على عودته او انتشاره !
وهو الأمر الذي آثار دهشة وفضول الجميع ليس فقط على مستوى القسم في جامعة أوتاوا بكندا بل على مستوى تخصص التخدير في جميع أنحاء العالم ! وذلك لان التخدير كتخصص لم يكن ينظر له على انه له تأثير مباشر في نسبة تعافي او عودة أمراض السرطان عموما وسرطان الثدي خصوصا !
وكأي مركز أبحاث كبير جاءت الفكرة من احد المشرفين على دراستي في التخصص الدقيق ( وكنت اعمل بتخصص التخدير الموضعي والاعصاب نفس ما تتحدث عنه الدراسة ) بان نقوم بإجراء دراسة بمنهجية افضل لاثبات وتأكيد هذه الفكرة الرائعة، وقد بدأت في كتابة المنهج وتجميع المراجع بمساعدة أساتذتي وزملائي في قسم التخدير بجامعة أوتاوا كمشروع دراسة قبل ان اترك كندا عام ٢٠٠٧م وأعود إلى ارض الوطن، وبالفعل بدأت الدراسة فعليا ومازالت الدراسة جارية إلى الآن وقد فازت بدعم مادي من عدة منظمات وجمعيات وايضا من منظمة أبحاث سرطان الثدي الكندية Canadian Breast Cancer Foundation وهو الأمر الغير مسبوق حدوثه من قبل بان قامت هذه المنظمة بدعم دراسة لتخصص التخدير ( الأول على مستوى كندا ) !
وبطبيعة الحال في مجال الطب لإثبات هذه الظاهرة او نفيها لابد من وجود عدة دراسات بمنهجية ممتازة والآلاف من المرضى لحسم الموضوع بشكل نهائي، ولكن مما لا شك فيه لقلة الآثار الجانبية لهذا النوع من التخدير ( تخدير جذور الأعصاب ) ومنافعه الأخرى مثل تخفيف الالم الحاد والتقليل من الإصابة بمتلازمة الم استئصال الثدي المزمن وغيرها، قمت أنا وزملائي في قسم التخدير بمستشفى الحرس بجدة بتغيير أسلوب التخدير وعرض الاحتمالات على المرضى على غرار ما يجري في كندا لتعديل الاسلوب، واعطاء الفرصة الاكبر للشفاء التام “ان وجدت” وايضا الاستفادة من منافعه الاخرى. والقيام بورش عمل مختلفة ومحاضرات لتوعية زملاء المهنة محليا لتحسين أسلوب التخدير. وبدأت الآن تظهر دراسات اخرى تؤكد الظاهرة الإيجابية لهذا الأسلوب ولكن كما ذكرت لم يتم الحسم بعد !
المغزى هنا ان التفاصيل في كل خطوة من خطة العلاج لسرطان الثدي مهمة وحتى أنا كطبيب تخدير كجزء من الفريق المعالج قد يكون لي تأثير مباشر وإيجابي لتغيير مسار الناتج النهائي من الخطة العلاجية والشفاء التام بإذن الله منه.
فكما شفى الله والدتي العزيزة حفظها الله من هذا المرض وغيرها ممن أعرفهم شخصيا أسأله سبحانه وتعالى ان يبعده عن الجميع ويشفي من أصيب به.

 

وهنا رابط الدراسة التي تحدثت عنها اعلاه.

وهنا رابط بحث عن فوائد هذا الاسلوب من التخدير.

6 أفكار على ”سرطان الثدي والتخدير ( تجربة شخصية )

أضف تعليق